جاري التحميل الآن

قراءة نقدية بقلم مجيدة السباعي للمجموعة القصصية الجوهر المفقود

 نقد-الاستاذة مجيدة السباعي

                                       

المبدعة الأستاذة ليلى حجامي عنقاء خرجت من رمادها بقلم إيجابي بعيد عن التكلف ، يتملكها الإيمان بمسؤولية الكلمة ونجاعة الفعل الثقافي.

وقفت هذه المرة على شاطئ الحياة تجيد الإصغاء للآخر، كلها عشق ملتهب لتوظيف ق ق فنا سرد يا عتيدا ينحدر من فوضى الوجود، عرضا سخيا بالمتعة يجمع بين الحقيقة والخيال، صورا  

نابضة بالحياة تعكس تجاعيد تفاصيل اليومي، تضمد أرواح مستضعفين عزل ممن عثر حظهم على مفازات الطرق، تعاظم عليهم المد، استغفلتهم الدنيا، كبلت لديهم لحظات الصفاء، فركبت بأرجلهم أصفاد صخور ثقال عالقة بوحل المادة وما تجرف من طمع محموم وأنانية ذميمة.

بفن القصة ق اقتنصت لقطات ذكية  نافذة، لتلمس البعد الانساني لتجوب مكامن الوجع، و تراهن على إعادة تشكيل تضاريس القيم الراسخة لعل  من انتقت من شخصيات تتخلص مما فاض على الخدود من أنين وكدر، وتعمر قلوبها ببريق جوهر صاف  لا يبلى                       

وسمت مجموعتها القصصية الأنيقة بالجوهر المفقود، صفته عقدا من قصص اجتماعية خفيفة الظل و كأنها نسمة هواء في حر صيف.

ولا يخفى هنا رمزية الفقد وسط جلبة الحياة، لعله تلميح لمعان روحية أبعاد انسانية وقيم سامية أثمن من كل الأحجار الكريمة محورها الاسرة المرأة والطفل. 

 الغلاف يعد بدوره عتبة دالة ، يعرض مشهد امرأة في أبهى حللها وسط مزيج متناغم من ألوان قزحية وهاجة، لا تبالي بعتمة الخيبات، تفتح ذراعيها  لعالم رحب لا تحاصره أسوار الهموم لتتصالح مع الذات و لتصدح  بآمال عريضة… 

فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. 

 وراء الغلاف نجد الزجل حاضرا بشموخ يفوح بجميل التبصر وعبير الموعضة. 

 الإهداء نحته بحذق وتمرس ذ جمال المرزوقي.

من ينكر أننا كلنا حمنا حول الجدة ننهل من عضاتها ،و اصطدمنا بأناس انفلتت منهم جواهر السلوك القويم؟ 

من ينكر أن الأدب الحقيقي بلون القصة ق ينبع بقوة هادرة من المجتمع، ويصب فيه كارتداد عكسي ؟يثير الفضول  يستقرئ دواخل العقل الواعي و اللا واعي،  يروض النفس، يهذب السلوك و يذيب الهم فلا تنبت آلام جديدة ، فالنفس جموح كالخيل إن روضتها هدأت واستكانت .

استضافتنا المبدعة  إلى أعماق المجتمع المغربي، حيث البسطاء ينسجون تفاصيل ملامح الق ق بوجوه مكفهرة و نفوس منهكة ، ينهشها واقع طافح بالأسى، كأنهم طيور مهاجرة فوق المحيط نالت منها المسافات.

   لن أحرق سحر مفاجآت السرد سأمر مر الكرام برفق وأناة 

 فحتما كل قصة تتسم بخصوصية لافتة، لكن هناك قاسم مشترك هو حضور المرأة، وإلحاق كل قصة برسم معبر دال بقلم الرصاص.

القصة  الأولى جاءت بعنوان ما وراء القناع.. بطلتها امرأة متعجرفة ربما لهشاشة تعلمها وثقافتها المتدنية كانت تتباهى بالسراب، تتعلق بأقنعة واهية فاهتزت كثبان عجرفتها وتمزق قناع خيلائها، فلم يسعها إلا ان تكتم ألمها وتغرق في صمتها … وكأن قميص العبرة أعاد لها البصيرة وعافاها من الأنا الجموح.

في قصة ليلة أرق لغفلة المرأة وقلة تجربتها و توجيهها سقطت في غياهب التحرش الرهيب، والاعتداء الشنيع والقنوط المطبق. 

وفي قصة شهقة الروح بدت المرأة أنانية كالفراشة لاترى الا النور،فاحترقت به وتورمت كل أمانيها لما  سمعت شهقة وليدها البريء، الذي أسكتته بعضمة.  

أدخلت المبدعة أيضا الحيوان في بعض قصصها، فلعل المبالغة في التقرب اليه تغتال كل فرح، كما في قصة الغيرة تقتل حتى الحيوان.     

اما في قصة مايسترو الملوح بيده من قبره، فكان داعيا ملحا الى ان نكتب حياتنا بسطور من خلود، فلا يخبو ذكرنا ولا يندثر،

 فهناك الكثير من الموتى أحياء وأحياء موتى يمشون على الاقدام.

اللغة:

لأسلوب المبدعة انسيابية متدفقة، طلاقة تلقائية، سهولة ممتنعة تنضح بالصدق، تبرؤ من التكلف، تفوح ببلاغة الرسالة وجرأة الخطاب ،تقرب المتلقي من الواقع في أسمى تجلياته.

 مفرداتها نبتت في مراعي الروح ، فتفجرت خصيبة من رحم المعاناة، لا تكف تنجب صرخات مكتومة بألسنة ملتهبة لتستشف أغوار المواقف، و تضخ دما جديدا، يرسم أنبل المطالب الاجتماعية، تلك التي افتقدها الواقع المادي الجشع . 

 خطاباتها ضمنية لا مباشرة لها حمولة إيحائية تلامس الحياة،  برسائلها تندس إلى العقل بمرونة .

  بين السطور تشرق روح المبدعة، إذ تتماهى مع الأبطال  و تكاد تسمعها توجههم، توبخهم، تردهم عن انفلاتهم، تزرع القيم، بل تكاد تحول المتلقي لشاهد يلتقط أدق تفاصيل الاحداث، فيكاد يتدخل برأيه وتأويله.

 قفلاتها جاءت مذهلة صادمة تؤجج الدهشة والتشويق بما تحبل بين طياتها من مفاجآت شائكة، تبرز فجوات دلالية،  تستدرج  المتلقي إلى التأويل، وتفتح الباب مشرعا أمام أسئلته الكثيرة، نلمس هذا في  قصة بيت الشفقة ….الأب برز انانيا جريئا غير مبال بمشاعر ابنته الرقيقة الطيبة. 

و تركت القفلة مفتوحة ،و كذا في قصة :

 نقطة الضوء الأحمر..حيث يبدو الشر طي متهورا طامعا وشخصية مهتزة استغل السلطة  والمنصب، حيث ظن الشارع  برية موحشة، لذا هوى في قاع سحيق، مما يؤكد أن المرأة تتعرض للكثير من العنف في الشارع والتحرش.. بدليل جملة..يتعقب عطرها . 

عن مثله قال الشاعر

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم

                     و عاش قوم وهم بين الناس أموات

 لنغترف المتعة، ولا نبخل بالعبرة، و نلتقط الجوهر المفقود.

  فلا شيء في الحياة يعدل الفرح الروحي الشفيف، الذي نحسه لما ندخل الثقة والامل الى نفوس الاخرين، فنسبح في  أريج من الضياء.

 فأن تضيء شمعة خير بكثير من أن تقضي عمرك تلعن الظلام.

لنشرب قهوة المساء و القصة القصيرة أمامنا، فكلاهما مران و ممتعان و أسودان. 

حتما بالكتاب نقدر الحياة والوجود، نتحرر، نرتقي، نتواصل ونحسن أسلوب حياتنا.

إرسال التعليق