ما هو التحقيق الابتدائي في القانون السوري؟
التحقيق الابتدائي هو مرحلة هامة من مراحل سير دعوى الحق العام أمام القضاء الجزائي، تتوسط مرحلة التحقيق الأولي الذي يجريه رجال الضابطة العدلية ، ومرحلة التحقيق النهائي الذي يجريه قضاة الحكم.
و الهدف من التحقيق الابتدائي هو دراسة الأدلة الأولية وتمحيصها ومناقشتها ومقارنتها مع الأدلة الجديدة .
وقاضي التحقيق مقيد بالواقعة المدعى بها لكنه غير مقيد بالوصف الجرمي أو التكييف القانوني الذي تعطيه إياه النيابة العامة في ادعائها لهذه الواقعة، لأن وصف النيابة العامة هو للدلالة لا للحصر، ولقاضي التحقيق تغيير الوصف أو التكييف في قراره النهائي شريطة ان تبقى الواقعة كما هي ،فإذا أقامت النيابة العامة الدعوى العامة بجنحة ثم تبين لقاضي التحقيق أن الواقعة تشكل سرقة لا احتيالاً، فله في قراره النهائي أن يحيل المدعى عليه إلى المحكمة المختصة بتهمة السرقة لابتهمة الاحتيال المدعى بها أصلاً
و لقاضي التحقيق دور مزدوج فهو من ناحية يرمي إلى جمع الأدلة والتثبت منها، وهذا يسلتزم إجراء المعاينة والاستعانة بالخبرة وسماع الشهود،ومن ناحية ثانية يقوم باتخاذ القرارات في المطاليب والدفوع المقدمة إليه، وإيقاف التعقبات أو منع المحاكمة لعدم كفاية الأدلة ،أو الظن بالمدعى عليه وإحالته إلى المحكمة المختصة، إذا كان هناك دليل كاف على اتهام المدعى عليه بالجريمة أو الظن به. ويمكن أيضاً للقاضي بعد قيامه باستجواب المدعى عليه ولم يجد بحقه دليل يستوجب توقيفه أن يصدر قراراً بالترك ، لكن لم يأت نص صريح في قانون أصول المحاكمات الجزائية على الترك ، أما إذا وجد أدلة ترجح ارتكابه الجرم يصدر بحقه مذكرة توقيف، وبعد مضي مدة على التوقيف يقرر إخلاء سبيله، أما قرار منع المحاكمة يكون لعدم قيام دليل على ارتكاب الجرم أو لعدم وجود جرم.
ماهي القواعد التي يقوم عليها التحقيق الابتدائي:
أولا: إلزامية التحقيق الابتدائي
التحقيق الابتدائي إلزامي إذا كان الجرم المدعى به جنائي الوصف سواء أكان الاختصاص فيه ينعقد للقضاء العادي أم الاستثنائي.
ثانيا: استقلال سلطة التحقيق الابتدائي
إن المشرع قام بالفصل بين سلطة الادعاء والتحقيق، وإن مبرر هذا الفصل هو التعارض بين سلطة الادعاء والتحقيق، فمهمة قاضي التحقيق هي تقدير الأدلة التي قدمتها النيابة العامة، وهذا يتطلب قاضٍ قد خلا ذهنه من أية فكرة مسبقة عن ظروف الدعوى .
الأصل أن الادعاء من اختصاص النيابة العامة أي إقامة الدعوى العامة على مرتكب الجريمة، أما التحقيق الابتدائي يقوم في جوهره على التنقيب عن أدلة الدعوى سواء أكانت لمصلحة المتهم أوفي غير مصلحته واتخاذ قرار بمدى كفايتها لإحالته إلى المحاكمة، وبذلك فإن سلطة الادعاء تقف موقف الخصومة من المتهم ، بينما تمثل سلطة التحقيق حكماً محايدا ًبين الادعاء والمتهم.
ثالثا: السرعة في الإجراءات التحقيقية
هدف المشرع السوري من السرعة في إجراءات التحقيق هي أن يضع قاضي التحقيق يده على أدلة الدعوى قبل طمس معالمها وضياع آثارها، ومن أجل تحديد هوية الفاعل واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل معاقبته، وحتى لايبقى المتهم موقوفاً مدةً طويلة من الزمن في حال كان بريئاً.
ويمكن لقاضي التحقيق استجواب المدعى عليه قبل دعوة محاميه للحضور بسبب الخوف من ضياع الأدلة، وإجراء التحقيق بمعزل عن الخصوم ووكلائهم في حالة عدم حضورهم بعد دعوتهم أصولاً، وأن يصدر مذكرات إحضار بحق الشاهد الذي يتلكأ عن الحضور.
ولا يجوز أن تفهم قاعدة السرعة في الإجراءات التحقيقية على أنها تعني العجلة في فصل الدعوى، وإنما تعني السرعة في اتخاذ الإجراء والدقة والتأني في مباشرته
رابعا: تدوين الإجراءات التحقيقية
من الضمانات الأساسية لإجراءات التحقيق وأوامر التصرف فيه إثباتها بالكتابة حتى تكون حجة على الكافة ومصدراً صالحاً لما ينبنى عليه من نتائج، ولما توفره من وضوح للإجراءات المتخذة وتحديد الآثار المترتبة عليها، وتطبق قاعدة التدوين على أقوال المدعي الشخصي والمدعى عليه والشهود وذلك تسهيلاً لعمل المحكمة للفصل في موضوع الدعوى فيما بعد وكاتب الضبط هو الذي يقوم بالتدوين. ويتم ذلك بأن يملي قاضي التحقيق على الكاتب مايجب تدوينه بالضبط بصوت مسموع من قبل الحضور، وإن المحضر الذي تدون فيه الأقوال له قوة ثبوتية لايجوز الطعن فيها إلا بالتزوير، ولا يجوز أن يحصل حك في محضر التحقيق ولا أن يتخلل سطوره تحشية .
وإذا اقتضى الأمر شطب أو إضافة كلمة، وجب على قاضي التحقيق والكاتب والشخص المستجوب أن يوقعوا ويصادقوا على الشطب والإضافة في هامش المحضر تحت طائلة تغريم الكاتب وإلا تعرض قاضي التحقيق للمؤاخذة المسلكية ، وتعتبر لاغية كل تحشية أو شطب أو إضافة.
ويقتضي تدوين التحقيق من قبل الكاتب ذكر تاريخ اتخاذ كل إجراء تحقيقي ( كتاريخ استجواب المدعى عليه أو سماع شاهد) حتى يكون للإجراء آثاره مثل قطع التقادم أو بدء سريان ميعاد الطعن
إرسال التعليق