تغير المناخ وعلاقته بالصراع المسلح واثره النفسي والاجتماعي في السودان
.
الباحثة السودانية/ اميره السقا
أدى تغير المناخ والصراع المسلح في السودان إلى آثار نفسية واجتماعية مدمرة على السكان حيث أن الإنتقال القسري من حالة الاستقرار إلى حالات أخرى كالنزوح واللجوء يعكس آثار كارثية تحتاج إلى المزيد من الاهتمام لتجاوزها .
أحد الآثار الرئيسة هو نزوح المجتمعات، الأمر الذي يقدم الى صدمة واسعة النطاق وفقدان الهوية بين الأفراد. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن أكثر من مليوني شخص في دارفور قد نزحوا بسبب الصراع والكوارث المرتبطة بالمناخ، مما أدى إلى ارتفاع مستويات القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
علاوة على ذلك، أدى عدم الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والمياه النظيفة إلى تفاقم الضائقة النفسية للسكان. أصبح العديد من الأفراد، وخاصة النساء والأطفال، عرضة للاستغلال وسوء المعاملة وقضايا الصحة العقلية نتيجة للصراع المستمر والتدهور البيئي. على سبيل المثال، سلط تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش الضوء على المعدلات المثيرة للقلق للعنف القائم على النوع الاجتماعي في المناطق المتضررة من النزاع في السودان، مما يزيد من تفاقم الصحة العقلية للناجين.
وقد أدى تدمير سبل العيش والممارسات الثقافية التقليدية إلى تعطيل التماسك الاجتماعي وديناميكيات المجتمع في السودان. وبينما يصارع الناس للتكيف مع الظروف البيئية المتغيرة وفقدان الموارد، زادت التوترات الاجتماعية والصراعات داخل المجتمعات. وقد ساهم ذلك أيضًا في مشاعر العزلة والغربة وانعدام الثقة بين الأفراد، مما أدى إلى مزيد من التدهور في الصحة العقلية والرفاهية الاجتماعية.
وإضافة إلى ذلك، أدى تأثير تغير المناخ على الإنتاجية الزراعية والأمن الغذائي إلى انتشار الفقر والجوع على نطاق واسع في السودان. وقد أجبر هذا العديد من الأسر على الاعتماد على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء، مما أدى إلى تآكل شعورهم بالكرامة وتقدير الذات. على سبيل المثال، كشف تقرير صادر عن منظمة أوكسفام الدولية أن أكثر من 5 ملايين شخص في السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية بسبب انعدام الأمن الغذائي الناجم عن الكوارث المرتبطة بالمناخ والنزاعات المسلحة.
وايضا أدى استنزاف الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي بسبب تغير المناخ إلى تأجيج المنافسة والصراع بين المجموعات المختلفة في السودان. وقد أدى ذلك إلى زيادة التوترات والعنف ونزوح المجتمعات، مما أدى إلى تفاقم الآثار النفسية والاجتماعية للأزمة. على سبيل المثال، وجدت دراسة نشرت في مجلة تهتم بأبحاث السلام أن ندرة الموارد والمنافسة كانت من العوامل الهامة للصراع في دارفور، مما أدى إلى النزوح الجماعي والخسائر في الأرواح.
ويضاف الى ما سبق ذكره ،فإن عدم إمكانية الوصول إلى خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي في المناطق المتضررة من النزاع في السودان قد أعاق تعافي الأفراد والمجتمعات وقدرتهم على الصمود. كثير من الناس غير قادرين على التعامل مع الصدمات والضغوط الناجمة عن الصراعات والكوارث المرتبطة بالمناخ، مما يؤدي إلى ندوب نفسية طويلة الأمد واختلال وظيفي اجتماعي. وقد أدى ذلك أيضًا إلى خلق حواجز أمام المصالحة وبناء السلام والتنمية المستدامة في المنطقة.
ويؤدي انتقال الصدمات والضيق النفسي والاجتماعي بين الأجيال إلى إدامة دورات العنف والصراع في السودان. الأطفال الذين ينشأون في بيئات مزقتها الحرب والمتدهورة بيئيًا هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بمشاكل الصحة العقلية والانخراط في سلوكيات مدمرة. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية أن الأطفال المعرضين للنزاعات المسلحة وتغير المناخ في السودان كانوا أكثر عرضة لإظهار أعراض القلق والاكتئاب والعدوان. وفوق كل ذلك، فإن وصم وتهميش الأفراد الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية في السودان منعهم من طلب المساعدة والدعم. يعاني الكثير من الناس في صمت بسبب الخوف من التمييز وقلة الوعي بقضايا الصحة العقلية. وقد أدى ذلك إلى مزيد من عزلة وتهميش السكان الضعفاء، مما أدى إلى تفاقم صراعاتهم النفسية والاجتماعية. على سبيل المثال، سلط تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية الضوء على عدم كفاية خدمات الصحة العقلية وارتفاع مستويات الوصمة في السودان، مما يعيق تعافي الأفراد ورفاههم.
علاوة على ذلك، فإن تآكل آليات التكيف التقليدية وأنظمة الدعم في السودان قد ترك العديد من الناس دون الموارد اللازمة للتعامل مع تأثير تغير المناخ والصراع المسلح. ومع انهيار الأسر والمجتمعات تحت وطأة الأزمة، يُترك الأفراد لتدبر أمرهم بأنفسهم، مما يؤدي إلى زيادة الضعف والعزلة. وقد أدى ذلك أيضًا إلى إضعاف الروابط والشبكات الاجتماعية، مما زاد من عرقلة تعافي السكان وقدرتهم على الصمود.
في الختام، فإن الآثار النفسية والاجتماعية لتغير المناخ والصراع المسلح في السودان عميقة ومتعددة الأوجه، وتؤثر على الأفراد والأسر والمجتمعات بطرق متنوعة. لقد ترك النزوح والصدمات والخسارة والفقر والعنف الناجم عن الأزمة ندوبًا دائمة على الصحة العقلية والرفاهية الاجتماعية للسكان. من الضروري للحكومات والمنظمات الإنسانية والمجتمع المدني إعطاء الأولوية للصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي للسكان المتضررين، وتعزيز التماسك الاجتماعي والقدرة على الصمود، ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع والتدهور البيئي لبناء مستقبل مستدام وسلمي للسودان.
إرسال التعليق