جاري التحميل الآن

تعليق العقوبات الأوروبية على سوريا: هل سيؤثر فعليًا على الاقتصاد؟

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو 7alanews.png

منذ عام 2011، فرض الاتحاد الأوروبي مجموعة من العقوبات الاقتصادية على سوريا، استهدفت النظام الحاكم ردًا على قمع الاحتجاجات الشعبية. تضمنت هذه العقوبات قيودًا صارمة على تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج، إضافة إلى تجميد الأصول وحظر السفر لمئات الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام. كما شملت العقوبات حظر استيراد النفط السوري ومنع التعاون مع المؤسسات المالية السورية، مما أثر بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي.

ولكن في 24 فبراير/شباط 2025، قرر الاتحاد الأوروبي تعليق بعض هذه العقوبات، وسمح بإعادة التعامل مع قطاعي الطاقة والنقل، إلى جانب رفع القيود عن خمسة بنوك ومؤسسات سورية، من بينها المصرف الصناعي ومصرف التسليف الشعبي. كما أتاح القرار تحويل الأموال والموارد الاقتصادية إلى البنك المركزي السوري، في خطوة وُصفت بأنها تهدف إلى دعم عملية إعادة الإعمار بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ورغم أن هذه الخطوة قد تبدو وكأنها بداية جديدة للاقتصاد السوري، إلا أن التساؤلات تثار حول مدى تأثيرها الفعلي، خاصة مع استمرار العقوبات الأمريكية، وأبرزها قانون قيصر، الذي يفرض قيودًا مشددة على التعاملات المالية والتجارية مع الدولة السورية.


هل ينعش تعليق العقوبات قطاع الكهرباء؟

تعد أزمة الكهرباء في سوريا واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة. ومع تعليق العقوبات الأوروبية، يمكن نظريًا تحسين إنتاج الكهرباء، خاصة وأن العديد من محطات التوليد تعتمد على التكنولوجيا الأوروبية.

لكن الخبير الاقتصادي يونس الكريم يشير إلى أن هذا القرار لا يعني حلًا فوريًا للأزمة، حيث لا تزال العقوبات الأمريكية، مثل قانون قيصر، سارية المفعول. ورغم وجود استثناءات محدودة ضمن الترخيص رقم 24، الذي يهدف إلى تخفيف تأثير العقوبات على المدنيين، فإن الحكومة السورية بحاجة إلى دعم قانوني واستشاري للاستفادة الكاملة من هذه الاستثناءات.

وأوضح الكريم أن الدولة السورية يمكنها الآن توقيع عقود لإعادة تأهيل محطات الكهرباء، لكن العقوبات لا تزال تُعقد عملية شراء قطع الصيانة مباشرة من الشركات الأوروبية، ما يفرض على الحكومة البحث عن طرف ثالث لتجاوز هذه العقبات.


قطاع الطاقة: هل ستعود الاستثمارات الأجنبية؟

رغم رفع بعض العقوبات الأوروبية، تبقى معظم احتياطات النفط والغاز السوري خارج سيطرة الحكومة المركزية، حيث تتركز في مناطق قوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات، التي لم تكن مشمولة أصلًا بالعقوبات الأوروبية أو قانون قيصر.

يرى الباحث في الاقتصاد السياسي حسن المروان أن تعليق العقوبات قد يشجع شركات النفط الأوروبية الكبرى مثل شل وتوتال على استئناف أعمالها في حقلي الرميلان وعمر، وهما الأكبر في البلاد. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات قانونية وسياسية، حيث يمكن أن يكون تعليق العقوبات أداة ضغط على الحكومة السورية لإشراك الإدارة الذاتية في مفاوضات مستقبلية حول تقاسم الموارد.

أما الكريم، فيرى أن الحكومة السورية لن تستفيد كثيرًا من هذه التسهيلات، طالما أن مناطق الإنتاج الرئيسية لا تزال خارج سيطرتها، إضافة إلى الحاجة إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيل الحقول التي تعرضت للتخريب.


النقل والطيران: هل يعود النشاط الجوي إلى سوريا؟

قد يبدو قرار تعليق العقوبات على قطاع النقل خطوة نحو إعادة تشغيل الرحلات الجوية المباشرة بين أوروبا وسوريا، لكن الواقع أكثر تعقيدًا.

يشير يونس الكريم إلى أن العقوبات الأمريكية تمنع شركات الطيران الدولية من بيع قطع الصيانة للطائرات السورية، وهو ما يجعل تطوير هذا القطاع أمرًا بالغ الصعوبة. كما أن استمرار عدم استقرار الأوضاع الأمنية يرفع من تكاليف التأمين على الرحلات الجوية، مما يجعل شركات الطيران غير متحمسة لاستئناف عملياتها في سوريا.

ويرى بعض المحللين أن الهدف من هذا القرار ليس دعم قطاع الطيران، بل تشجيع عودة اللاجئين السوريين من أوروبا عبر تسهيل الرحلات الجوية. كما أن الشركات الأوروبية قد تسعى للاستفادة من فرص الاستثمار المحتملة إذا تم طرح بعض المؤسسات الحكومية السورية للخصخصة.


العقوبات مستمرة.. والمشاكل لم تُحل بعد

ورغم تعليق بعض العقوبات، تبقى سوريا مقيدة في تعاملاتها المالية. فالحكومة السورية لا تزال غير قادرة على استخدام البنك المركزي السوري والبنك التجاري في المعاملات التجارية الدولية، مما يعني أن أي عمليات استيراد للمعدات الضرورية، سواء في الطاقة أو النقل، ستواجه عقبات كبيرة.

يؤكد حسن المروان أن رفع العقوبات بشكل جزئي لن يغير الواقع الاقتصادي بشكل جوهري، طالما لم يتم إزالة القيود عن القطاع المصرفي، الذي يعد مفتاح أي نشاط تجاري دولي. كما أن غياب مكاتب قانونية سورية في أوروبا لمتابعة ملف العقوبات، إلى جانب عدم وجود تجار موالين للحكومة قادرين على إتمام الصفقات باسمهم، يعوق قدرة سوريا على الاستفادة الكاملة من هذه التسهيلات.


ختامًا: هل تعليق العقوبات كافٍ لتحسين الاقتصاد؟

تعليق العقوبات الأوروبية على قطاعات الطاقة والنقل قد يكون خطوة رمزية أكثر منه حلًا عمليًا للأزمة الاقتصادية في سوريا. فرغم أنه يتيح بعض الفرص، إلا أن استمرار العقوبات الأمريكية، خصوصًا قانون قيصر، يقيد قدرة الحكومة السورية على الاستفادة الفعلية من هذه التغييرات.

وبينما تراقب الشركات الأوروبية الوضع بحذر، تبقى التحديات السياسية والأمنية العائق الأكبر أمام أي استثمارات حقيقية في البلاد. فهل سيكون هذا التعليق مقدمة لرفع كامل للعقوبات، أم أنه مجرد مناورة سياسية لا تغير شيئًا على أرض الواقع؟

إرسال التعليق